إلى كل الشعوب

بسم الله الرحمان الرحيم
عليكم و رحمة الله وبركاته,
أما بعد,
دعوة إلى التعارف
يقول الله عز و جل في قرآنه الكريم : و جعلناكم شعوبا و قبائل لتتعارفوا.
إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ولعل ابتعادنا عن قرآننا و بحثنا عن العزة في
غير دين الله الذي يتحد مع منطق الطبيعة الإنسانية السليمة, هو الذي أذلنا
في أعين الكثيرين من أهل الغرب.
و هذه الهوة السحيقة التي تفصلنا عن بعضنا البعض, إن دلت على شيى فإنما
تدل على ما فوتنا على شعوبنا في الماضي من فرص و إمكانيات للتبادل الفكري
و الثقافي و الروحي. ولذا فنحن نوجه لكم اليوم دعوة للتعارف, و التحاور, و
التبادل و ذلك من أجل جعل هذه الأرض مكانا أفضل للعيش لنا نحن جميعا.
هذا هو نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام
نحن في مستهل القرن السادس عشر, العالم تتقاسمه دولتان هما فارس و الروم,
و يأتي من وراءهما اليونان و الهند. أما فارس فكانت غارقة في وساوس دينية
فلسفية مختلفة. أما الرومان فكانت تهيمن عليها الروح الاستعمارية ولم تكن
تختلف عن سابقتها في ما يتعلق بالانحطاط الأخلاقي و الظلم الاقتصادي. أما
اليونان, فكانت غارقة في خرافاتها وأساطيرها الكلامية. أما الهند, فقد
اتفق المؤرخون أنها كانت في أحط أدوارها ديانة و خلقا و اجتماعا. أما
الجزيرة العربية فكانت تعيش في ظلمة من الجهالة و الحالة الفطرية الأولى.
في هذه الفترة من تاريخ الإنسانية, وفي مكة على أرض الجزيرة العربية, ولد
النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وهو آخر الأنبياء و الرسل بعد عيسى عليه
السلام.
نسبه بالكامل هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هشام بن عبد مناف ابن
قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بت النصر بن
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن
اسماعيل بن ابراهيم عليه السلام نبي الله.
ولد محمد بمكة عام الفيل. توفي أبوه وأمه حامل به لشهرين. تكلفت بإرضاعه
امرأة من البادية يقال لها حليمة السعدية ثم أعيد إلى أمه و عنده خمس
سنوات. لما أصبح له من العمر ست سنوات, ماتت أمه آمنة. فتكفل به جده عبد
المطلب حتى توفي وقد تم للنبي ثماني سنوات. فكفله عمه أبو طالب.
بدأ محمد فترة شبابه بالسعي للرزق حيث اشتغل برعي الغنم. بعد ذلك, تلقى
عرضا لامرأة ذات شرف ومال للتجارة في مالها. وقد اختارته لما سمعت عنه من
صدق الحديث و كرم الأخلاق. وقد توفق كثيرا في هذه التجارة. وقد أعجبت
خديجة بأمانته و أخلاقه, فعرضت نفسها للزواج عليه بواسطة صديقتها, فوافق
محمد و كلم أعمامه فخطبوها له وتزوجها وهو في الخامسة و العشرين من عمره
وهي في الأربعين من عمرها. و قد كان مثالا للزوج الصالح و الأب الحنون.
وقد كان يتمتع بين رجال قبيلته بمكانة سامية. كانوا لا يشكون في صدق حديثه و كرم أخلاقه. كانوا يلقبونه الصادق الأمين.
عندما اقترب سنه من الأربعين, بدأ يخلو في غار يدعى بغار حراء, إذ يتأمل
في الكون و النعم, و يتعبد فيه الليالي. فتارة يمكث فيه عشرة أيام وتارة
أكثر من ذلك... وفي إحدى خلواته, جاءه الملك جبريل فقال له اقرأ. فقال ما
أنا بقارئ. قال محمد فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ.
فقلت ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك
الذي خلق, خلق الإنسان من علق, اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم, علم
الإنسان ما لم يعلم.... كان هذا الحدث يمثل بداية نزول الوحي على محمد
عليه الصلاة و السلام. فرجع إلى خديجة ودخل عليها وهو يرجف فقال زملوني,
زملوني, فزملوه حتى ذهب عنه الروع فأخبرها ما حصل وقال لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة كلا و الله لا يخزيك الله أبدا, انك لتصل الرحم و تحمل الكل و
تكسب المعدوم و تقري الضيف وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به إلى ابن عمها
ورقة بن نوفل وكان شيخا كبيرا نصرانيا. فحكا له محمد ما حصل معه. فقال له
ورقة هذا الناموس الذي نزل على موسى , يا ليتني فيها جذعا, ليتني أكون حيا
إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله أو مخرجي هم؟ قال نعم, لم يأت رجل قط بمثل
ما جئت به إلا عودي, و إن يد ركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ثم لم يلبث ورقة
أن توفي. ... و انقطع الوحي فترة من الزمن.
بدأ النبي يدعو إلى عبادة الله وحده ونبذ الأصنام. وكان أول من بدأ بدعوتهم الناس الذين تشده إليهم قرابة أو معرفة سابقة.
بعد ثلاث سنوات من بعثته, أمره الله بإظهار دينه. فدعا أهله و عشيرته
الأقربين. وقد تنكرت قريش له ولدعوته مدعين أنهم لا يستطيعون ترك ما ورثوه
عن آباءهم و أجدادهم من تقاليد و من عبادة للأوثان. ثم عادوه و آذوه بشدة
هو و من أسلم معه من الرجال و النساء. بعد ذلك, انتقلت قريش إلى مرحلة
مفاوضات مع النبي. فأغروه بالمال و بالملك و بالشرف وبتزويجه أجمل أبكارهم
وذلك حتى يترك شتم آلهتهم و تسفيه عاداتهم. وكان مما أجابهم به والله يا
عم, لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما
أنا بتاركه. وعرضوا عليه أن يعبدوا الاهه يوما و يعبد آلهتهم يوما, فنزل
قول الله تعالى ” قل يا أيها الكافرون, لا أعبد ما تعبدون, ولا أنتم
عابدون ما أعبد, ولا أنا عابد ما عبدتم, ولا أنتم عابدون ما أعبد, لكم
دينكم و لي دين”.
ولقد فكرت قريش في قتل الرسول صلى الله عليه و سلم. ولما رفضت عشيرته
تسليمه لهم, قرروا حصارهم اقتصاديا و اجتماعيا و سد جميع أبواب الرزق. وقد
جهد النبي والمسلمون جهدا شديدا خلال هذه الفترة التي امتدت حوالي الثلاث
سنوات.
ثم إن الرسول لما رأى ما يصيب أصحابه من البلاء, دعا أصحابه للهجرة إلى الحبشة حيث كان بها ملك عادل.
وكان أول وفد قدم إلى رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم لفهم شيى عن
الإسلام يتكون من ثلاثين رجلا تقريبا من نصارى الحبشة. فلما جلسوا إلى
رسول الله و اطلعوا على صفاته و أحواله وسمعوا ما تلي عليهم من القرآن
الكريم, آمنوا كلهم.
في العام العاشر من بعثته, توفيت زوجته خديحة و عمه أبو طالب الذي كان
يناصره على قومه. وقد أطلق النبي على هذا العام اسم عام الحزن وذلك لشدة
المصائب التي حلت به في سبيل الدعوة.
ولعل أحد أهم الأحداث في حياته هو خروجه صلى الله عليه و سلم من مكة إلى
المدينة و ذلك امتثالا لأمر الله الحكيم العليم. ويعتبر هذا الحدث مدرسة
من التخطيط الاستراتيجي و رمزا إلى أنه لا قيمة للوطن و المال و الجاه إذا
كانت العقيدة مهددة بالحرب أ و الزوال. ونظرا لأهمية هذا الحدث ودلالاته,
فقد تم اعتماد تاريخ جديد للمسلمين كانت بدايته تاريخ خروج النبي محمد
عليه الصلاة و السلام من مكة إلى المدينة و يسمى بالتاريخ الهجري.
أما المعجزة العظمى في حياته, فهي معجزة الإسراء و المعراج. أما الإسراء
فهي الرحلة التي أكرم الله بها نبيه من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد
الأقصى بالقدس. أما المعراج فهو ما أعقب ذلك من العروج بالرسول إلى طبقات
السماوات العلى. كل هذه الرحلة تمت في ليلة واحدة. وهناك أوحى الله إلى
نبيه ما أوحى. وفيها فرضت الصلوات الخمس على المسلمين.
وقد كان يدعو الناس قائلا تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا,
ولا تسرقوا, ولا تزنوا, ولا تقتلوا أولادكم, و لا تأتوا ببهتان تفترونه
بين أيديكم و أرجلكم, ولا تعصوني في معروف. فمن وفى منكم, فأمره إلى الله,
و من أصاب من ذلك شيئا, فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له, ومن أصاب من ذلك
شيئا فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه و إن شاء عفا عنه.
وكان الرسول يبعث رجالا يعلمون الناس تعاليم دينهم من صلاة و صيام و زكاة
و آداب الدعاء و الزواج و الطلاق و الإرث و كفل اليتيم والمعاملات
التجارية و العقيقة و الأضحية و الأطعمة و الألبسة و التختم بالذهب و
الفضة و التصوير و المسابقة و النذر. كما علمهم حدود الله في الخمر و
الزنا و السرقة و القذف و الردة. و بذلك فقد أرسى صلى الله عليه و سلم أسس
و دعائم المجتمع الإسلامي.
وقد خاض صلى الله عليه و سلم معارك و غزوات كان هدفها الأساسي الدفاع عن
المسلمين و رد مؤامرة الكائدين أو عدوان الأعداء. و قد أعطى المثل للقائد
العسكري المحنك.
و قد مكث الرسول في المدينة تسع سنين لم يحج, ثم أذن في الناس في السنة
العاشرة أن رسول الله حاج. فأتى أناس كثيرون يبغون نقل مناسكهم عنه صلى
الله عليه و سلم. و هناك ألقى خطبة الوداع الشهيرة والألوف المؤلفة من
الناس ملتفة حوله خاشعين متضرعين, وطالما تربصوا به، في بداية الدعوة,
متآمرين و محاربين. جل من قال ” إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس
يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك و استغفره انه كان توابا”.
وفي آخر أيامه, بدأ ينتابه صداع شديد في رأسه و أوجاع. و قد طلب من زوجاته
أن يأذن له بأن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها, ولما كن يعلمن محبته و
ارتياحه لها, أذن له بذلك. ولم يعد يستطيع أن يصلي بالناس فأمر أبا بكر
بالصلاة بالناس نيابة عنه.
وفي آخر سكرات الموت, اضطجع إلى حجر عائشة وأسندت رأسه إلى صدرها. وكان
يمسح وجهه بالماء و يقول لا الاه إلا الله, إن للموت لسكرات. و جعل يقول
في الرفيق الأعلى حتى قبض و مالت يده. توفي صلى الله عليه و سلم عن 63
عاما. قضى 40 منها قبل البعثة, و 13 عاما يدعو إلى الله في مكة و10 سنين
قضاها في المدينة بعد الهجرة.
و انتشر خبر وفاته صلى الله عليه و سلم بين الناس, و ذهل الناس, وبكوا. و
خرج أبو بكر إلى الناس يقول لهم أما بعد, أيها الناس, من كان منكم يعبد
محمدا صلى الله عليه و سلم فان محمدا قد مات, ومن كان منكم يعبد الله فان
الله حي لا يموت.
عز و جلى من قال ”وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد, أفان مت فهم الخالدون, كل
نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون“.